أنواع الطفرة الجينية وأسبابها وتأثيراتها على التنوع | ميدزون
top of page

الطفرة الجينية: مفهومها وأنواعها وأسبابها


تمثيل الحمض النووي
الطفرة

الطفرة (بالإنجليزية: Mutation) من المفاهيم الأساسية في علم الوراثة حيث تقود الطفرات التغير التطوري وتعزز التنوع البيولوجي. الطفرة في جوهرها هي التغير في تسلسل الحمض النووي، وتعد الطفرات قوة أساسية في إعادة تشكيل المعلومات الوراثية عبر الأجيال وتؤدي هذه التغيرات الجينية التي تحدث بشكل عفوي أو بسبب عوامل خارجية الى حدوث الاختلاف داخل المجموعات الحيوية، مما يوفر مجموعة من السمات الوراثية التي تساهم في قدرة الكائنات الحية على التكيف والبقاء على قيد الحياة [3].


إن فهم الطفرات وتأثيرها متعدد الأوجه أمر بالغ الأهمية لكشف الآليات الكامنة وراء التنوع الجيني والتكيف والعمليات الأساسية التي تحكم وراثة السمات داخل المجموعات الحيوية.


تعريف الطفرة

تعرف الطفرة بأنها مجموعة من التغيرات التي تتراكم تدريجيًا في تسلسل النيوكليوتيدات للحمض النووي، حيث تتراوح هذه التغيرات من التعديلات البسيطة على النيوكليوتيدات الفردية إلى إعادة ترتيب الكروموسومات على نطاق واسع، وغالبًا ما تنشأ هذه التغيرات أي الطفرات تلقائيًا أثناء تكرار الحمض النووي، ويمكن أن تنتج أيضًا عن العوامل البيئية مثل الإشعاع والمواد الكيميائية [1].


تعد التغيرات أي الطفرات محور رئيسي في تشكل التنوع الجيني وتعطيل الشيفرة الوراثية الطبيعية [3]، وتؤدي أيضًا الى اختلافات في الأنماط الظاهرية والجينية لدى الكائنات الحية، لذا تعد بأنها القوة الدافعة وراء تطور الأنواع المختلفة، مما يؤثر في قدرة الكائنات الحية على التكيف والبقاء على قيد الحياة في البيئات المتغيرة [4].


يمتد تأثير الطفرات الى المقاييس البيولوجية المختلفة، حيث تؤثر على المسارات الجزيئية والوظائف الخلوية، وتشكل في النهاية السمات التي تظهرها الكائنات الحية، أي أنه من التعديلات الطفيفة في الجينات الى التعديلات الجذرية تساهم الطفرات في التنوع الجيني والتنوع الحيوي [1] [4].


أنواع الطفرات

إن فهم الأنواع الفرعية من الطفرات أمر مهم لكشف النسيج المعقد للتغيرات الجينية التي تكمن وراء تعقيدات النظم البيولوجية، إذ إن الخوض في هذه الأنواع الفرعية يلقي الضوء على الآليات والمظاهر المحددة التي يتم من خلالها تغيير المعلومات الجينية حيث يمكن أن تحدث الطفرات بطرق مختلفة مما يؤدي إلى ظهور أنواع فرعية. تشمل أنواع الطفرات الجينية على ما يلي:


الطفرة النقطية

الطفرات النقطية (بالإنجليزية: Point mutations) من الطفرات الأساسية في التغيرات الجينية، وهي مجموعة من التغيرات الدقيقة التي تحدث داخل تسلسل الحمض النووي، وتؤدي الى تأثيرات محورية تؤثر على تخليق البروتين والتعبير عن النمط الظاهري للكائن الحي، وتتضمن هذه التعديلات على استبدال أو إضافة أو حذف نيوكليوتيد واحد، مما يساهم في التنوع الجيني، وربما تسبب تشكيل السمات البيولوجية [1] [4].


بدورها تقسم الطفرات النقطية إلى أنواع فرعية متعددة ومنها:


الطفرة المغلطة

الطفرة المغلطة (بالإنجليزية: Missense mutation) تتميز بأن لها تأثير كبير ومحوري، وتحدث نتيجة تغيير نيوكليوتيد واحد داخل تسلسل الحمض النووي. تترتب نتائج مثل هذه الطفرات في قدرتها على تقديم بديل للنيوكليوتيدات، مما يؤدي بالتالي إلى دمج حمض أميني مختلف في سلسلة البروتين أثناء ترجمة الحمض النووي [3].


على الرغم من أن الاستبدال الذي تتسبب به الطفرة المغلطة قد يبدو بسيطًا على المستوى الجيني، إلا أن له تأثير كبير على البروتين، حيث يؤدي الى حدوث تحول كبير في البنية الأولية للبروتين، ويمكن أن يؤدي هذا التحول إلى تغيير كبير في الهياكل الثلاثية والرباعية للبروتين، مما يغير بشكل أساسي من وظيفة واستقرار وتفاعلات البروتين داخل المسارات البيولوجية [3].

الطفرة الصامتة

تتسبب الطفرة الصامتة (بالإنجليزية: Silent mutation) بتغيرات داخل تسلسل الحمض النووي من خلال تعديل النيكليوتيدات، ولكن هذه تعديلات لا تؤدي الى تغيرات ملحوظة في تسلسل الأحماض الأمينية عند ترجمة الشيفرة الوراثية [5].


تنشأ الطفرة الصامتة من تكرار تشفير نفس الحمض الأميني، وتحدث عادةً هذه الطفرة في الموضع الثالث من الكودون المعروف أيضا باسم موضع ووبل، ولكن على الرغم من الطبيعة الخاملة لهذه الطفرات فيما يتعلق بإنتاج البروتينات، إلا أنه يمكن لهذه الطفرات في بعض الأحيان أن تؤدي الى حدوث تأثيرات خفيفة في تنظيم الجينات واستقرار الحمض النووي الريبوزي المرسال، وبنية الكروماتينات ذات الترتيب الأعلى [5].


يمكن القول أن دور الطفرات الصامتة يمتد الى ما هو أبعد من تأثيرها الصامت على مستوى البروتين حيث تشارك في جوانب أكثر دقة من التعبير والتنظيم الجيني، مما بدوره يساهم في تعقيد العمليات الجزيئية في الخلية [2] [5].


الطفرة غير المنطقية

تؤدي الطفرة غير المنطقية (بالإنجليزية: Nonsense mutation) الى حدوث تعديلات كبيرة وحرجة في تسلسل الحمض النووي، وهذه التعديلات هي ادخال كودون إيقاف سابق لأوانه، أي إدخال كودون إيقاف مبكر الى تسلسل الحمض النووي، مما بدوره يتسبب باقتطاع سلسلة متعدد الببتيد قبل الأوان وينهي الترجمة مبكرًا قبل تصنيع تسلسل البروتين الكاملة والوظيفة، أي أن البروتينات التي سيتم إنتاجها تصبح غير كاملة أو لا تعمل بشكل صحيح [3].


يختلف تأثير الطفرة الغير منطقية بالاعتماد على موضعها داخل الجين، وتأثير قطع سلسلة متعدد البيبتيد على المجالات الوظيفية للبروتين، ففي بعض الحالات قد تؤدي الطفرة الغير منطقية إلى توليد بروتينات غير وظيفية أو ضارة مما يساهم في حدوث اضطرابات وظيفية مختلفة، وفي حالات أخرى قد تتسبب في إنشاء بروتينات مبتورة تحتفظ بوظائف جزئية أو تمتلك أدوار تنظيمية [2] [3].


الطفرة الكروموسومية

الطفرات الكروموسومية (بالإنجليزية: chromosomal mutations) هي النوع الثاني الرئيسي من الطفرات، وتمثل هذه الطفرات تغيرات واسعة النطاق تشمل أجزاء من الكروموسومات، مما يؤدي الى حدوث تغيرات جوهرية في بنية المادة الوراثية وتنظيمها [4].


يمكن أن تسبب الطفرات الكروموسومية بالاضطرابات الوراثية من خلال تأثيرها العميق على التعبير الجيني والعمليات التنظيمية واستقرار الجينات وموضعها أو تنظيمها، الذي بدوره يمكن أن يؤثر على وظيفة البروتين والعمليات الخلوية، بالإضافة إلى ما سبق يمكن أن تختلف آثار الطفرات الكروموسومية بالاعتماد على الجينات التي تعرضت للتغيرات ومدى التغير في الكروموسومات، مما يوضح مدى تعقيد هذه الطفرات [2] [3]. تشمل الأنواع الفرعية لهذه الطفرات على ما يلي:


طفرة الحذف

تعني طفرة الحذف (بالإنجليزية: Deletion mutation) فقدان جزء من الحمض النووي من الكروموسوم، وقد يتراوح حجم الجزء المفقود من الحمض النووي من تسلسل نيوكليوتيدات صغير الى إزالة جينات كاملة أو جينات متعددة متجاورة [1].


تحدث طفرات الحذف بسبب أخطاء تكرار الحمض النووي أو إعادة تركيبه أو في أثناء عمليات الإصلاح للحمض النووي، مما يؤدي إلى إزالة الحمض النووي أثناء انقسام الخلايا، مما يعني أن تأثير عمليات الحذف قد يؤدي الى عواقب مختلفة بناءًا على حجم المقطع المحذوف والجينات المتأثرة، فقد تؤدي عمليات الحذف الصغيرة إلى حدوث طفرات في الإطارات مثل تغيير إطار القراءة للشيفرة الوراثية، مما بدوره يؤدي إلى تغير تسلسل البروتين مما يمكن أن يؤثر على بنية البروتين ووظيفته أو قد يجعله غير فعال أو يغير نشاطه [1] [4].


يمكن أن تؤدي عمليات الحذف الأكبر التي تشمل جينات بأكملها أو عناصر تنظيمية إلى اضطرابات وراثية أو آثار صحية خطيرة [3].


طفرة التكرار

تنطوي طفرة التكرار (بالإنجليزية: Duplication mutation) على تكرار جزء من الحمض النووي، مما يؤدي إلى وجود نسخ متعددة من منطقة كروموسومية أو جين معين، ويمكن أن تحدث طفرة التكرار بسبب أخطاء عمليات تكرار الحمض النووي أو إعادة التركيب [1].


تختلف عواقب طفرة التكرار بالاعتماد على حجم الجزء المكرر والجينات المتضررة، فعندما يشمل الجزء المكرر على جين أو عنصر تنظيمي فإن هذا سيتسبب بوجود أعداد زائدة من بروتينات معينة، أو قد يؤدي الى تأثيرات تنظيمية متغيرة، مما بدوره يؤثر على العمليات الخلوية أو السمات العضوية [1] [3]، وفي حالات التكرار واسع النطاق التي تشمل الجينات الأساسية يمكن أن تؤدي هذه الطفرات إلى حدوث اختلالات وراثية [2].


يمكن أن تؤثر أيضًا طفرة التكرار في التنوع الجيني والتطور من خلال توفير المواد الجينية الأساسية للابتكار التطوري، ومع مرور الوقت قد تكتسب الجينات المكررة وظائف جديدة، أو قد تخضع للتباعد مما يساهم في ظهور سمات أو تكيفات جديدة لدى الكائنات الحية [3].


طفرة الانقلاب

تحدث طفرة الانقلاب (بالإنجليزية: Inversion mutation) عندما يعكس جزء من الكروموسوم اتجاهه داخل الكروموسوم، وتحدث إعادة الترتيب المقلوبة هذه عندما ينكسر جزء من الكروموسوم في مكانين ويعاد توصيله بطريقة مقلوبة [1] [4].


يمكن أن تختلف الانقلابات في حجمها، حيث يمكن أن تتراوح من أجزاء صغيرة إلى أجزاء كبيرة من الكروموسوم، ويعتمد تأثيرها على حجمها وعلى الجينات الموجودة داخل المنطقة المقلوبة. في الانقلابات الصغيره يكون تأثير هذه الطفرة ضئيل أو معدوم إذا لم يتم تعطيل الجينات المهمة أو العناصر التنظيمية، ومع ذلك فإن الانقلابات الكبيرة التي تشمل الجينات أو التسلسلات التنظيمية يمكن أن تؤدي الى عواقب كبيرة مثل التغيير في طريقة نسخ الجينات، مما قد يؤثر على التعبير الجيني أو عمل البروتينات الناتجة [3].


هناك ناحية إيجابية لطفرة الانقلاب، إذ يمكن لهذه الطفرة أن تلعب دورًا في التطور عن طريق إعادة خلط المادة الوراثية داخل الكروموسوم، إذ يمكنها قمع إعادة التركيب بين ترتيبات الجينات المختلفة، مما قد يؤدي إلى الحفاظ على مجموعة من الأليلات التي قد تكون مفيدة في بيئات محددة [4]، بالإضافة إلى ما سبق يمكن أن تخلق طفرات الانقلاب اختلالات هيكلية تساهم في التنوع الجيني للكائنات الحية [3].


طفرة تغيير الموقع

في طفرة تغيير الموقع (بالإنجليزية: Translocation mutation) يتم نقل جزء من الكروموسوم إلى كروموسوم آخر غير مماثل أو إلى موضع مختلف داخل نفس الكروموسوم [1] [4]، ويمكن أن تؤدي هذه التنقلات الى عواقب متنوعة مثل التأثير على سلامة الجينات أو انماط التعبير الجيني أو حتى اندماج الجينات.


في عمليات النقل غير التبادلية ينتقل جزء من كروموسوم إلى كروموسوم آخر دون حدوث تبادل، أي يحدث نقص في الحمض النووي لدى أحد الكروموسومات، ويمكن أن يؤدي هذا النقل الى تعطيل الجينات عند نقاط التوقف، مما يؤدي إلى تغيير التعبير الجينى أو فقدان الوظيفة بسبب نقل التسلسلات التنظيمية [1].


في عمليات النقل التبادلية يتم تبادل أجزاء من الحمض النووي بين اثنين من الكروموسومات غير المتماثلة، أي يتبادل كروموسومين مختلفين الأجزاء، مما يؤدي إلى إعادة ترتيب دون حدوث خسائر في المادة الوراثية، مما قد يؤدي الى حدوث اندماج في الجينات و تكوين بروتينات يمكن أن يكون لها عواقب وظيفية متنوعة [4].


كما هو الحال في باقي الطفرات تختلف عواقب طفرة التبادل بالاعتماد على حجم ومواضع أجزاء الحمض النووي التي يتم تبادلها، ويمكن أن تؤدي عمليات النقل واسعة النطاق الى تعطيل جينات [3].


أسباب الطفرة

تصنف أسباب الطفرات إلى أسباب داخلية، وأسباب خارجية، وتشمل هذه الأسباب على ما يلي:


الأسباب الداخلية للطفرات

تعرف الطفرات التي تنشأ نتيجة لعوامل داخل الخلية بالطفرات التلقائية (بالإنجليزية: Translocation mutation)، ويمكن أن تشمل أسباب حدوث هذه الطفرات على ما يلي:

  • الأخطاء التي تحدث خلال عملية تكرار الحمض النووي مثل اخطاء الحذف أو الاستبدال [1].

  • الاخطاء التي تحدث خلال عملية إصلاح الحمض النووي أو اعادة التركيب [4].


الأسباب الخارجية للطفرات

الطفرات التي تحدث نتيجة لعوامل خارجية تؤثر على البيئة الخلوية وبنية الحمض النووي يطلق عليها الطفرات المستحثة (بالإنجليزية: Induced mutation) [4]، حيث تتسبب هذه المطفرات في تغيرات عن طريق إتلاف الحمض النووي بشكل مباشر أو من خلال تداخلها مع عمليات صيانته وتكراره [1]. ومن العوامل الخارجية التي يمكن أن تسبب حدوث الطفرات ما يلي:


العوامل البيئية

يشكل التعرض للعوامل البيئية مثل الإشعاعات أو المواد الكيميائية خطر كبير، فعلى سبيل المثال تتسبب الأشعة فوق البنفسجية في تكوين ثنائيات الثايمين داخل شرائط الحمض النووي، مما يشوه بنية الحمض النووي ويعيق تكراره [2].


بالمثل تعمل بعض المواد الكيميائية كمولدات للطفرات حيث تتداخل مع شرائط الحمض النووي وتسبب نشوء طفرات مختلفة مثل طفرات تعطيل الارتباط أو طفرات انزياح الإطارات [3].


الإجهاد التأكسدي و أنواع الأكسجين التفاعلية

يتسبب وجود أنواع الأكسجين التفاعلية المتولدة أثناء عملية التمثيل الغذائي بحدوث الإجهاد التأكسدي داخل الخلية، مما يؤدي إلى إتلاف الحمض النووي، حيث تتسبب هذه الأنواع من الأكسجين في حدوث تعديلات أساسية على الحمض النووي، وإذا لم يتم اصلاحها فإنها يمكن أن تؤدي إلى حدوث طفرات [3].


على الرغم من أن الإجهاد التأكسدي يحدث داخل الخلية، إلا أنه يحتاج الى عوامل خارجية تساهم في حدوثه وبالتالي تساهم في حدوث التغيرات الجينية [3].


التداخل مع آليات إصلاح الحمض النووي

بالإضافة إلى الضرر المباشر الذي قد تسببه بعض العوامل للحمض النووي فإنها أيضا قد تتداخل مع آليات إصلاح الحمض النووي، مما يضر بقدرة الخلية على تصحيح الطفرات المتولدة [2]، لذا يزيد هذا التداخل في عملية الإصلاح من فرصه استمرار الطفرات داخل الجينوم.


المراجع

[1] Brown TA. Genomes. 2nd edition. Oxford: Wiley-Liss; 2002. Chapter 14, Mutation, Repair and Recombination. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK21114/

[2] Durland J, Ahmadian-Moghadam H. Genetics, Mutagenesis. [Updated 2022 Sep 19]. In: StatPearls [Internet]. Treasure Island (FL): StatPearls Publishing; 2023 Jan-. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK560519/

[3] Griffiths, A. (2019). mutation | Definition, Causes, Types, & Facts. In Encyclopædia Britannica. https://www.britannica.com/science/mutation-genetics

[4] Loewe, L., & Hill, W. G. (2010). The population genetics of mutations: good, bad and indifferent. Philosophical transactions of the Royal Society of London. Series B, Biological sciences, 365(1544), 1153–1167. https://doi.org/10.1098/rstb.2009.0317

[5] Popovic A, Orrick JA. Biochemistry, Mutation. [Updated 2022 Oct 24]. In: StatPearls [Internet]. Treasure Island (FL): StatPearls Publishing; 2023 Jan-. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK576397/

bottom of page