تلوث الهواء: أنواعه، مصادره وكيفية مواجهته بفعالية | ميدزون
top of page

تلوث الهواء: مصادره، أنواعه واستراتيجيات فعالة لمواجهته

مصنع يسبب التلوث بثاني أكسيد الكربون
تلوث الهواء

يشكل تلوث الهواء (بالإنجليزية: Air Pollution) الذي يعرف بوجود المواد الضارة في الغلاف الجوي تهديدًا واسع النطاق على صحة الإنسان، والبيئة [3]، وتتجاوز هذه القضية المعقدة الحدود الجغرافية لكل بلد لتؤثر في المجتمعات في جميع أنحاء العالم، مما يؤكد مكانتها كتحدي عالمي له آثار بعيدة المدى [4].


يتطلب انتشار تلوث الهواء تضافر الجهود على المستويين المحلي والعالمي، حيث يمكن أن يكون لتلوث الهواء على المستوى العالمي عواقب فورية وملموسة تتراوح بين أمراض الجهاز التنفسي، وأمراض القلب والأوعية الدموية إلى انخفاض معدلات ناتج المحاصيل وتدهور النظم البيئية [3]، مما يفرض عبئًا كبيرًا على المجتمعات.


على المستوى العالمي تؤكد الطبيعة المترابطة لتلوث الهواء على دوره في التغيرات البيئية والمناخية الأوسع، حيث تساهم انبعاثات الغازات الدفيئة والهباء الجوي في تغير المناخ، مما يؤدي إلى تفاقم الظواهر الجوية المتطرفة، وتغير أنماط هطول الأمطار، وتعطيل النظم البيئية في مختلف أنحاء العالم [5].


يعد فهم مصادر تلوث الهواء وتأثيراته وحلول مواجهته أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز الاستدامة البيئية وحماية صحة ورفاهية الأجيال الحالية والمستقبلية، فمن خلال معالجة تلوث الهواء بشكل شامل وتعاوني يمكن للمجتمعات أن تمهد الطريق لمستقبل أنظف وأكثر صحة ومرونة.


مصادر تلوث الهواء وأنواعه

تنشأ الملوثات المعلقة في الغلاف الجوي من مصادر مختلفة، ويعد فهم مصادر وأنواع تلوث الهواء حاسمًا لتطوير التدخلات المناسبة للحد من التلوث والتخفيف من آثاره الضارة على مختلف المستويات، وتشمل مصادر تلوث الهواء وأنواعه على ما يلي:


الجسيمات المعلقة

تمثل الجسيمات المعلقة (بالإنجليزية: Particulate Matter or PM) خليطاً من الجزيئات الصغيرة المعلقة في الهواء والتي تختلف في الحجم والتركيب والأصل. تنشأ هذه الجسيمات من مصادر متنوعة بما في ذلك الأنشطة الصناعية، وانبعاثات المركبات، والعمليات الزراعية، والظواهر الطبيعية مثل حرائق الغابات والعواصف الترابية [5].


تصنف الجسيمات المعلقة في الهواء وفقاً لقطرها، حيث تشكل الجسيمات (PM10) التي يبلغ قطرها 2.5 ميكروميتر أو أقل، أما جسيمات (PM 2.5) فهي الجسيمات التي يبلغ قطرها 2.5 ميكروميتر أو أقل وتعد هذه الجسيمات مصدرًا للقلق بشكل خاص بسبب قدرتها على الاختراق بعمق في الجهاز التنفسي [3].


تساهم العمليات الصناعية بما في ذلك التصنيع والتعدين والبناء في إطلاق الجسيمات المعلقة بأقطارها المختلفة من خلال أنشطة مثل معالجة المواد، والحرق.


تعد مصادر النقل خاصة المركبات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي من المساهمين الرئيسيين في إطلاق الجسيمات المعلقة وارتفاع مستوياتها في الهواء، حيث تنبعث من المركبات الجزيئات الناجمة عن حرق الوقود من العادم، وتولد المركبات الغبار على الطريق من خلال التآكل الذي تسببه الإطارات والفرامل [4]، بالإضافة إلى ذلك فإن حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي لإنتاج الطاقة ولغايات التدفئة يؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من الجسيمات المعلقة في الهواء الجوي.


تم ربط التعرض للجسيمات المعلقة بمجموعة واسعة من الآثار الصحية الضارة، خاصة الآثار الضارة على الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية [3]، حيث يمكن أن يؤدي استنشاق الجسيمات المعلقة إلى الالتهاب الرئوي، وتفاقم أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو، والانسداد الرئوي المزمن، بالإضافة إلى أن الجسيمات المعلقة تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بما في ذلك النوبات القلبية والسكتات الدماغية.


الأوزون على مستوى سطح الأرض

الأوزون على مستوى سطح الأرض (بالإنجليزية: Ground-level ozone) ويطلق عليه بشكل شائع الأوزون (O3) فقط هو ملوث هوائي يتشكل من خلال تفاعلات كيميائية معقدة تحدث بين ملوثات أولية قادمة من مصادر مختلفة بما في ذلك عمليات الاحتراق والأنشطة الصناعية [5]، وتؤدي إلى تراكمه مباشرة فوق سطح الأرض.


تعمل أكاسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة التي سيتم تناولها في الفقرات التالية والتي يتم إطلاقها بشكل أساسي من عوادم المركبات، والانبعاثات الصناعية، والمذيبات بمثابة سلائف رئيسية لتكوين الأوزون على سطح الأرض، أي أنها المواد التي تتفاعل وتطلق الأوزون.


بوجود ضوء الشمس وظروف جوية معينة تخضع أكاسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة لتفاعلات ضوئية، مما يؤدي إلى إنتاج الأوزون بالقرب من سطح الأرض، ومن الجدير بالذكر أن هذا الأوزون الناتج عن التفاعلات بين ملوثات الهواء والموجود بالقرب من سطح الأرض يختلف عن طبقة الأوزون الموجودة في الستراتوسفير والتي تعمل على حماية الأرض من الإشعاعات الشمسية الضارة، حيث أن الأوزون الموجود بالقرب من سطح الأرض له آثار ضارة على صحة الإنسان والبيئة [4].


يعمل الأوزون على مستوى سطح الأرض كمهيج قوي للجهاز التنفسي، مما يسبب التهاب الشعب الهوائية، ويضعف وظائف الرئة، بالإضافة إلى أضراره على صحة الإنسان فإنه يشكل خطرًا على الغطاء النباتي والنظم البيئية [4].


ثاني أكسيد النيتروجين

ثاني أكسيد النيتروجين (NO2) هو غاز بني محمر ذو رائحة نفاذة يوجد عادةً في المناطق الحضرية ذات الكثافة المرورية العالية والأنشطة الصناعية، وهو ناتج ثانوي عن عمليات الاحتراق خاصة العمليات التي تنطوي على درجات حرارة عالية مثل عمليات الاحتراق في محركات المركبات، ومحطات توليد الطاقة، ويعد من الأسباب الرئيسية لأمراض الجهاز التنفسي، والمشاكل البيئية المختلفة [3].


يمكن أن تساهم المستويات المرتفعة من ثاني أكسيد النيتروجين في الغلاف الجوي في تكوين الأوزون على مستوى سطح الأرض، والجسيمات المعلقة، مما يؤدي إلى تفاقم تكوين الضباب الدخاني وانخفاض الرؤية، بالإضافة إلى ما سبق يمكن أن يتفاعل ثاني أكسيد النيتروجين مع ملوثات الهواء الأخرى ليكون مركبات تحتوي على النيتروجين تساهم في اختلال توازن المغذيات في النظم البيئية وتؤثر على نمو النباتات وصحة التربة [3].


ثاني أكسيد الكبريت

ثاني أكسيد الكبريت (SO2) هو غاز عديم اللون ذو رائحة خانقة ينبعث عادةً أثناء احتراق الوقود الأحفوري المحتوي على الكبريت مثل الفحم والنفط المستخدمة في العمليات الصناعية ومحطات إنتاج الطاقة، يمكن أن يتم إطلاقه أيضًا من الانفجارات البركانية وبعض الأنشطة الصناعية مثل صهر المعادن وتكرير النفط [5].


بالإضافة إلى الآثار الضارة جداً على صحة الإنسان لثاني أكسيد الكبريت تساهم انبعاثاته ايضًا في تكوين المطر الحمضي عندما يتفاعل مع بخار الماء والمواد الكيميائية الأخرى الموجودة في الغلاف الجوي، وتعد الأمطار الحمضية ذات آثار ضارة على جودة التربة، وتسبب تلوث المسطحات المائية السطحية والنظم البيئية المائية [5].


تسبب الأمطار الحمضية أيضًا بتآكل البنى المعدنية والبنية التحتية، كما تساهم انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت في تكوين هباء الكبريتات الذي يمكن أن يؤثر على الرؤية الجوية، وجودة الهواء الإقليمي.


المركبات العضوية المتطايرة

تشمل المركبات العضوية المتطايرة (بالإنجليزية: Volatile organic compounds or VOCs) على مجموعة متنوعة من المواد الكيميائية التي تتبخر بسهولة عند درجة حرارة الغرفة، وتنبعث هذه المركبات من مجموعة واسعة من المصادر بما في ذلك العمليات الصناعية، وعوادم المركبات، والمذيبات، وتأتي أيضًا من مصادر طبيعية مثل النباتات ونشاط الميكروبات وحرائق الغابات، وعلى الرغم من أن المركبات العضوية المتطايرة ليست سامة بطبيعتها إلا أنها تساهم في تلوث الهواء ولها آثار بيئية وصحية ضارة كبيرة [5].


يرتبط تكون الأوزون بالقرب من سطح الأرض والضباب الدخاني ارتباطًا وثيقًا بانبعاثات المركبات العضوية المتطايرة، ففي وجود أكاسيد النيتروجين وأشعة الشمس تخضع المركبات العضوية المتطايرة لتفاعلات تؤدي إلى تكوين الأوزون والملوثات الثانوية الأخرى [3].


التأثير المناخي لتلوث الهواء

لتلوث الهواء تأثير مناخي وجوي وبيئي يتردد صداه في مختلف الأنظمة حول العالم ومن هذه التأثيرات ما يلي:


المساهمة في تغير المناخ

يساهم انبعاث الغازات الدفيئة بما في ذلك ثاني أكسيد الكربون والميثان وثاني أكسيد النيتروجين والغازات المفلورة التي تنتج عن الأنشطة المختلفة مثل العمليات الصناعية وإزالة الغابات والممارسات الزراعية في احتباس الحرارة في الغلاف الجوي للأرض، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية [1].


يؤدي ارتفاع درجات الحرارة بدوره في تغير المناخ، وتفاقم الظواهر المتطرفة المرتبطة به مثل الأعاصير، وتغير أنماط هطول المطر مما يؤثر بعمق في الأنظمة البيئية المختلفة وقدرة الكائنات الحية على التكيف [1].


تغيير أنماط الطقس

يمكن لتلوث الهواء واضطرابات دورة الكربون أن يغير أنماط الطقس والظروف الجوية، مما يؤدي إلى تغيرات في أنماط هطول الأمطار، ودرجات الحرارة والرياح، على سبيل المثال يمكن أن تؤثر الجسيمات المعلقة على تكون السحب وأنماط هطول الأمطار من خلال العمل كنواة لتكثيف السحب، مما يؤثر على توزيع وشدة هطول الأمطار [2].


بالإضافة إلى ما سبق يمكن للملوثات مثل ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين أن تتفاعل مع مركبات أخرى في الغلاف الجوي لتكون الهباء الجوي والملوثات الأخرى، مما قد يؤثر بشكل أكبر على الطقس والمناخ، ويؤثر على انعكاس أشعة الشمس عن سطح الأرض، مما يؤدي إلى تغيرات في أنماط المناخ الإقليمية وتوزيع الإشعاعات الشمسية [2].


التأثيرات البيئية لتلوث الهواء

يمكن أن يتفاعل تلوث الهواء مع التحديات البيئية الأخرى مثل إزالة الغابات وفقدان التنوع الحيوي، وتدهور وتجزئة الموائل ليتسبب بتضخيم آثار هذه التحديات وخلق آثار تشاركية [4]، وعلى الرغم من تجاهل هذه الآثار في كثير من الأحيان بجانب تأثير تلوث الهواء على صحة الإنسان والتغيير المناخي، إلا أنه يمكن أن يكون لتلوث الهواء آثار عميقة وبعيدة المدى على الموائل الطبيعية والحياة البرية [3]، ويمكن أن يشمل تأثير تلوث الهواء على الأنظمة البيئية ما يلي:


التأثير المباشر على الحيوانات والنباتات

يمكن لملوثات الهواء مثل ثاني أكسيد الكبريت وثاني أكسيد النيتروجين أن تلحق الضرر المباشر في الأنواع المختلفة من النباتات والحيوانات من خلال آليات مختلفة، فعلى سبيل المثال يمكن أن يؤدي ثاني أكسيد الكبريت إلى إتلاف أوراق النباتات، مما يضعف عملية البناء الضوئي، ويقلل من نمو النبات وإنتاجيته [5]، كما يمكن أن تتسبب التركيزات العالية من الأوزن في إصابة الأوراق وتقليل إنتاجية المحاصيل، وأن تعطل العمليات البيئية مثل التلقيح وانتشار البذور مما يؤثر على المستوى الإنتاجي الزراعي بشكل عام والأمن الغذائي [4].

بالإضافة إلى الإضرار بالنباتات يمكن أن يؤثر تلوث الهواء بشكل مباشر على صحة الحيوانات وبقائها، فعلى سبيل المثال يمكن أن تعاني الطيور والثدييات من مشاكل الجهاز التنفسي وضعف الإنجاب بسبب التعرض للملوثات المحمولة في الهواء، أما الكائنات المائية بما في ذلك الأسماك والبرمائيات فتعد معرضة بشكل خاص للملوثات المترسبة في المسطحات المائية من خلال الترسيب الجوي [3].


التأثير غير المباشر على ديناميكيات النظام البيئي

بعيدًا عن التأثيرات المباشرة على الكائنات الحية الفردية يمكن أن يؤدي تلوث الهواء إلى تعطيل ديناميكيات النظام البيئي وعمله، حيث يمكن أن تؤدي المستويات المرتفعة من ترسب النيتروجين والكبريت في التربة إلى تغير كيمياء التربة، ودورة المغذيات مما يؤدي إلى اختلال توازن المغذيات وحموضة التربة التي بدورها تؤثر سلبًا على الكائنات الحية الدقيقة في التربة، والمجتمعات النباتية، والبنية العامة وتكوين النظم البيئية [5].


يمكن أن يساهم تلوث الهواء في إغناء المسطحات المائية بالمغذيات مما يؤدي إلى النمو المفرط للطحالب، واستنفاد الأكسجين، واختلال النظم البيئية المائية، وانخفاض جودة المياه، وفقدان التنوع الحيوي المائي، وتحولات الشبكة الغذائية المائية [4].


تدهور الموائل وتجزئتها

على الرغم من أن الأنظمة البيئية مثل الغابات تعد أنظمة تعمل على تنقية الهواء من الملوثات إلا أنه يمكن أن يؤدي تلوث الهواء أيضًا إلى تفاقم تدهور الموائل وتجزئتها، مما يزيد من تهديد سلامة النظام البيئي والتنوع الحيوي، حيث يمكن أن تساهم ملوثات مثل أكاسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة في تكوين ملوثات ثانوية تؤدي إلى تدهور الموائل الطبيعية وإضعاف وظائف النظام البيئي [3].


يتفاعل تلوث الهواء أيضًا مع التحديات البيئية الأخرى مثل تغير المناخ، وتغيير استخدام الأراضي، والأنواع الغازية مما يضخم من آثار هذه التحديات على النظم البيئية ويقوض من مرونتها وقدرة الكائنات على البقاء والتكيف.


حلول للحد من تلوث الهواء

تعد معايير ولوائح جودة الهواء الحالية التي تطبقها الهيئات الحكومية والوكالات البيئية تدخلات محورية للتخفيف من تلوث الهواء [3]، حيث تضع هذه المعايير حدودًا لانبعاث الملوثات من مصادر مختلفة مثل العمليات الصناعية والمركبات ومحطات توليد الطاقة بهدف التقليل من مستويات التلوث الإجمالية وحماية الصحة العامة والبيئة، بالإضافة إلى ذلك غالبًا ما تفرض هذه الهيئات مراقبة منتظمة وأنظمة إبلاغ عن بيانات جودة الهواء والمخالفات التي تؤدي إلى تلوث الهواء لتتبع التقدم وتحدد مجالات التحسين في الحد من تلوث الهواء.


من الحلول المتبعة للحد من تلوث الهواء ما يلي:


الجهود الدولية

تبذل الجهود الدولية أيضًا لمعالجة تلوث الهواء مع الاعتراف بأن تلوث الهواء لا يعرف حدودًا ويتطلب عملًا تعاونيًا عبر المناطق والبلدان [4]، حيث تعمل مبادرات مثل المعاهدات و الاتفاقيات والشراكات الدولية على تسهيل تبادل المعلومات ونقل التكنولوجيا والجهود المنسقة لمواجهة تحديات تلوث الهواء الشائعة.


تلعب الشراكات بين القطاعين العام والخاص لاعتماد تكنولوجيا أنظف أيضًا دورًا حاسمًا في دفع الابتكار وتسريع الانتقال إلى أنظمة طاقة أنظف وأكثر استدامة من خلال تشجيع اعتماد أفضل الممارسات والاستثمار في البحث والتطوير لخلق بيئة أنظف وأكثر صحة للأجيال.


الابتكارات التكنولوجية

تلعب الابتكارات التكنولوجية دوراً محوريًا في الجهود المستمرة لمكافحة تلوث الهواء والتخفيف من آثاره الضارة على صحة الإنسان والبيئة، حيث أدى التقدم التكنولوجي والهندسة إلى تطوير العديد من الحلول المبتكرة التي تهدف للحد من تلوث الهواء في مختلف القطاعات.


أحد المجالات المهمة للابتكار هي تقنيات الطاقة النظيفة، حيث توفر مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية بدائل مستدامة للوقود الأحفوري للتقليل من استخدامه والحد من الانبعاثات وبالتالي تحسين جودة الهواء والتخفيف من تغير المناخ والتاثيرات البيئية والصحية لتلوث الهواء.

بالإضافة إلى تقنيات الطاقة النظيفة شهدت أنظمة أنظمة التحكم في الانبعاثات أيضًا تطورًا كبيرًا، حيث تعمل هذه الأنظمة التي يتم تثبيتها في المنشآت الصناعية ومحطات الطاقة والمركبات على التقاط وتقليل انبعاثات الملوثات قبل إطلاقها في الهواء، وتشمل الأمثلة على هذه الأنظمة المحولات الحفازة في المركبات التي تعمل على تحويل الغازات الضارة مثل أول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين إلى مواد أقل ضرراً، وأجهزة غسل الغاز في المداخن الصناعية، والتي تعمل على إزالة الملوثات من غازات المداخن قبل إطلاقها في الهواء [4].


بالإضافة إلى ما سبق برزت مبادرات النقل المستدام كمجال تركيز رئيسي للحد من تلوث الهواء في المناطق الحضرية، حيث توفر السيارات الكهربائية التي تعمل بمصادر الطاقة النظيفة حلًا واعدًا لتقليل الانبعاثات الصادرة عن المركبات التقليدية ذات محركات الاحتراق الداخلي [3]، وتهدف مبادرات مثل أنظمة النقل العام، وبرامج مشاركة المركبات، والبنية التحتية الصديقة للمشاة إلى تقليل الاعتماد على المركبات الخاصة وتعزيز استخدام وسائل النقل البديلة، وبالتالي التقليل من تلوث الهواء الناجم عن انبعاثات المركبات [2].


التوعية العامة

إن رفع مستوى الوعي العام حول تلوث الهواء وعواقبه الصحية والبيئية والمناخية أمر ضروري لتعزيز اتخاذ القرارات المستنيرة، وتشجيع تغيير السلوكيات التي تساهم في تلوث الهواء، وتعبئة العمل الجماعي لمعالجة هذه القضية الملحة، حيث يلعب التعليم وحملات التوعية والمشاركة المجتمعية أدوارًا محورية في زيادة الوعي وتمكين الأفراد من اتخاذ خطوات استباقية للتخفيف من تلوث الهواء [1].


تساعد المبادرات التعليمية التي تستهدف المدارس والجامعات والمراكز المجتمعية على توعية الأفراد بمصادر تلوث الهواء وتأثيراته، فضلاً عن التدابير العملية التي يمكنهم اتخاذها لتقليل تعرضهم لهذه الملوثات، وتقليل مساهمتهم في زيادة مستويات التلوث، فمن خلال دمج المواضيع البيئية في المناهج الدراسية وتنظيم ورش العمل والندوات والرحلات الميدانية، يمكن للمؤسسات التعليمية أن تمكن الطلاب والمعلمين ليصبحوا دعاة للهواء النظيف والاستدامة البيئية [1].


تعتبر حملات التوعية التي تقودها الوكالات الحكومية والمنظمات الغير ربحية ومجموعات الدفاع عن البيئة مفيدة في الوصول إلى جماهير أوسع ونشر المعلومات حول مخاطر تلوث الهواء واستراتيجيات الوقاية، حيث تستخدم هذه الحملات قنوات اتصال مختلفة بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي، والتلفزيون، والإذاعة، ووسائل الإعلام المطبوعة لرفع مستوى الوعي وتعزيز التغيرات السلوكية وتشجيع المشاركة في المبادرات المجتمعية [1].


تمكن المشاركة المجتمعية مثل المنتديات العامة والحركات الشعبية الأفراد من المشاركة بنشاط في مراقبة جودة الهواء، وتحديد مناطق التلوث، والدعوة إلى التغيرات على المستويات المحلي والإقليمي، فمن خلال إشراك المجتمعات في عمليات صنع القرار وتوفير الفرص للتعاون والحوار يتم تعزيز الشعور بالملكية والمسؤولية الجماعية لمواجهة تحديات تلوث الهواء [2].


أمثلة واقعية لمواجهة تلوث الهواء

توفر الأمثلة الواقعية من مناطق أو مدن محددة رؤى قيمة حول الاستراتيجيات الناجحة لمعالجة تلوث الهواء، حيث تظهر الأمثلة الواقعية فعالية السياسات والتدخلات والمبادرات المختلفة في تحسين جودة الهواء والتخفيف من الآثار الضارة لتلوث الهواء على صحة الإنسان والبيئة [4].


فمن خلال دراسة هذه الحالات وتحديد العوامل الرئيسية التي تساهم في نجاحها يمكن لواضعي السياسات والمخططين الحضريين وعلماء البيئة اكتساب رؤى قيمة في تصميم وتنفيذ استراتيجيات فعالة للتخفيف من تلوث الهواء في سياقات جغرافية واجتماعية واقتصادية متنوعة.


نفذت مدن مثل كوبنهاجن في الدنمارك، وستوكهولم في السويد خططًا شاملة للتخفيف من الازدحام المروري وانبعاثات المركبات مما أدى إلى تحسن ملحوظ في جودة الهواء. فمن خلال فرض الرسوم على سائقي السيارات مقابل القيادة في المناطق المزدحمة خلال ساعات الذروة حفزت هذه المدن استخدام وسائل النقل العامة، وركوب الدراجات، ومشاركة السيارات بين المواطنين مما قلل من الانبعاثات الإجمالية للمركبات وبالتالي خفف من تلوث الهواء [3].


على نحو مماثل قطعت بكين في الصين التي اشتهرت ذات يوم بتلوث الهواء الشديد خطوات كبيرة في معالجة هذه القضية من خلال مجموعة من التدابير التنظيمية، والابتكارات التكنولوجية، وحملات التوعية العامة [4]، وقد أدت معايير الحد من الانبعاثات الصارمة للصناعات والمركبات إلى جانب الاستثمارات في مصادر الطاقة النظيفة والبنية التحتية الخضراء إلى نتائج ملحوظة في جودة الهواء ونتائج الصحة العامة [3].


في الهند نفذت مدينة دلهي تدابير مثل إدخال حافلات الغاز الطبيعي المضغوط، وخطط تقنين استخدام المركبات الفردية، وتعزيز تركيب ألواح الطاقة الشمسية على الأسطح لمكافحة تلوث الهواء [4]، وقد ساهمت هذه المبادرات إلى جانب حملات التوعية العامة في تحقيق انخفاض ملحوظ في مستويات التلوث وتحسن مؤشرات جودة الهواء [3].


المراجع

[1] Kjellstrom T, Lodh M, McMichael T, et al. Air and Water Pollution: Burden and Strategies for Control. In: Jamison DT, Breman JG, Measham AR, et al., editors. Disease Control Priorities in Developing Countries. 2nd edition. Washington (DC): The International Bank for Reconstruction and Development / The World Bank; 2006. Chapter 43. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK11769/ Co-published by Oxford University Press, New York.

[2] Mackenzie, J., & Turrentine, J. (2021, June 22). Air Pollution: Everything You Need to Know. NRDC. https://www.nrdc.org/stories/air-pollution-everything-you-need-know#whatis

[3] Manisalidis, I., Stavropoulou, E., Stavropoulos, A., & Bezirtzoglou, E. (2020). Environmental and Health Impacts of Air Pollution: A Review. Frontiers in public health, 8, 14. https://doi.org/10.3389/fpubh.2020.00014

[4] SIERRA-VARGAS, M. P., & TERAN, L. M. (2012). Air pollution: Impact and prevention. Respirology, 17(7), 1031–1038. https://doi.org/10.1111/j.1440-1843.2012.02213.x

[5] Vallero, D. A. (2014). Fundamentals of air pollution. Elsevier, , Cop. https://doi.org/10.1016/C2012-0-01172-6

bottom of page