المندلية: قوانينها ودورها في العلوم والتقنية | ميدزون
top of page

المندلية: قوانينها أنماطها ومساهمتها في العلوم والعصر الحديث


تجربة نبات البازلاء لجريجور مندل، رسم توضيحي
المندلية

المندلية (بالإنجليزية: Mendelism) هي حجر الزاوية في علم الوراثة الحديث وتشير إلى المبادئ الوراثية التي اكتشفها العالم جريجور مندل في منتصف القرن التاسع عشر وهي قانون الهيمنة، وقانون العزل، وقانون التوزيع المستقل، حيث توضح هذه القوانين انتقال السمات من الآباء إلى الأبناء.


توفر قوانين مندل إطارًا لفهم كيفية انتقال المعلومات الوراثية عبر الأجيال، وكيفية تشكيل أنماط وراثية ملحوظة في الكائنات الحية، فلقد أرسى عمل مندل الرائد على نباتات البازلاء الأساس لعلم الوراثة، مما أحدث ثورة في فهمنا للوراثة، ومهد الطريق للأبحاث والتطبيقات الوراثية الحديثة في التخصصات العلمية المتنوعة.


ما هو الأليل، متماثل الزيجوت، ومتغاير الزيجوت؟

قبل الغوص في قوانين مندل الوراثية لا بد من التعرف على بعض المصطلحات المهمة لفهم هذا الموضوع، وهي الأليل، ومتماثل الزيجوت، ومتغاير الزيجوت. يعرف الأليل بأنه شكل مختلف من الجين ينشأ عن طريق الطفرة، أي التغير في تسلسل الحمض النووي في نفس المكان على الكروموسوم، وكما نعلم توجد الجينات في أزواج يأتي كل واحد منها من أحد الوالدين، وكل جين مسؤول عن سمة معينة، هنا تحدد الإصدارات المختلفة من الجينات الحاملة للأليلات اختلافات معينة في إحدى السمات [4].


متماثل الزيجوت (بالإنجليزية: Homozygous) حالة وراثية يمتلك فيها الفرد أليلين متطابقين في موضع جيني محدد، وتحدث هذه الحالة عندما يرث الكائن الحي نفس الأليل لصفة معينة من كلا الوالدين، على سبيل المثال وراثة أليلين العيون البنية السائد من كلا الوالدين (BB)، أو وراثة أليلين العيون الزرقاء المتنحية من كلا الوالدين (bb)، وهنا يعد الفرد متماثل الزيجوت.


يشير مصطلح متغاير الزيجوت (بالإنجليزية: Heterozygous) إلى حالة وراثية يمتلك فيها الفرد أليلين مختلفين في موضح جيني محدد، وتحدث هذه الحالة عندما يرث الكائن الحي أليلات مختلفة لصفة معينة من كل والد، وفي هذه الحالة يكون أليل واحد سائد والآخر متنحي، مثل وراثة أليل لون العيون البني السائد على أليل لون العيون الزرقاء المتنحي (Bb)، هنا يعد الفرد متغاير الزيجوت.


قانون الهيمنة

قانون الهيمنة (بالإنجليزية: Law of Dominance) مبدأ أساسي في علم الوراثة المندلية، حيث يوضح هذا القانون العلاقة بين الأليلات عندما يحمل شكلين مختلفين من الأليلات من الجين سمة معينة [3].


وفقًا لقانون الهيمنة فإن النمط الظاهري = الأليل السائد، أي أنه سيتم التعبير فقط عن السمة السائدة ظاهريًا، ويختفي التعبير عن الأليل المتنحي [3].


في حال هيمنة أليل على آخر فإن النسبة الظاهرية المتوقعة لدى النسل هي 3:1 حيث يظهر ثلاث أفراد الصفة السائدة، وفرد واحد الصفة المتنحية، أما نسبة النمط الجيني في حالات تهجين أحادي الزيجوت يشتمل على أليل سائد وأليل متنحي هي 1:2:1 لمتماثل الزيجوت السائد: متغاير الزيجوت: متماثل الزيجوت المتنحي.


قانون العزل

يوضح قانون العزل (بالإنجليزية: Law of segregation) الأساسي في علم الوراثة المندلية عملية توزيع الأليل أثناء تكوين الأمشاج، أي خلال تكوين الحيوانات المنوية والبويضات، حيث يؤكد هذا القانون على أن الأليلات تنفصل عن بعضها البعض أثناء تكوين الأمشاج [2].


نظرًا لوجود الجينات في أزواج على الكروموسومات المتماثلة فسيرث كل إبن أليل واحد من كل والد، حيث يضمن هذا الفصل أن أليل واحد فقط من زوج الجينات يمر إلى كل مشج، مما يساهم في تنوع المعلومات الوراثية لدى النسل [4].


يعد عزل الأليلات أثناء تكوين الأمشاج آلية أساسية تشرح كيفية وراثة السمات من الآباء إلى الأبناء، فعلى سبيل المثال إذا كان الفرد يحمل أليلين مختلفين لسمة معينة مثل لون بذور البازلاء التي درسها مندل [3]، فإن قانون العزل يفترض أنه أثناء تكوين الأمشاج تنفصل الأليلات ويتلقى كل مشج أليل واحد فقط، وبالتالي عندما تتحد الأمشاج أثناء الإخصاب سيرث النسل أليل واحد فقط من كل والد، مما يشكل السمات الظاهرية التي تتم ملاحظتها في الأجيال اللاحقة، بطريقة يمكن التنبؤ بها وفقًا لقوانين مندل [2].


في حالات التهجين الأحادي أي تهجين صفة واحدة تكون النسبة المتوقعة للحصول على النمط الظاهري 3:1 للصفات السائدة إلى المتنحية، ونسبة النمط الجيني هي 1:2:1 لصفات متماثل الزيجوت السائد: متغاير الزيجوت: متماثل الزيجوت المتنحي.


قانون التوزيع المستقل

يصف قانون التوزيع المستقل (بالإنجليزية: Law of independent assortment) وهو القانون الثالث من القوانين المندلية الذي يفسر نمط وراثة الجينات المختلفة على الكروموسومات المنفصلة، حيث يقترح هذا القانون أنه عند الأخذ بعين الاعتبار اثنين أو أكثر من الجينات المختلفة، فإن هذه الجينات تتوزع بشكل مستقل عن بعضها البعض أثناء تكوين الأمشاج بغض النظر عن قربها الفيزيائي من بعضها على الكروموسومات، إلا في حال إذا كانت هذه الجينات قريبة جدًا أو متلاصقة فيتم توريثها كوحدة واحدة [2] [4].


ساعدت تجارب مندل مع نباتات البازلاء في توضيح هذا القانون، فعلى سبيل المثال عن النظر إلى سمتين مختلفتين مثل لون البذرة أصفر أو أخضر، وشكل البذرة مجعدة أو ملساء والتي تتحكم فيها الجينات الموجودة على الكروموسومات المختلفة، لاحظ مندل أن وراثة لون البذرة لم تؤثر على وراثة شكل البذور، لأن أليلات لون البذور تفصل بشكل مستقل أثناء توزيع الأمشاج عن أليلات شكل البذور، مما يؤدي إلى ظهور مجموعة سمات مختلفة لدى النسل [3] [5].


عند تهجين صفتين تكون النسبة الظاهرية المتوقعة 9:3:3:1 والتي تمثل جميع التوليفات الممكنة للصفات السائدة والمتنحية.


أنماط الوراثة المندلية

تشمل الوراثة المندلية على أنماط مختلفة منها السائدة والمتنحية والمشتركة التي تستخدم لوصف كيفية تفاعل الأليلات المختلفة لإنتاج السمات التي يمكن ملاحظتها على الكائن الحي، ويطلق على هذه السمات السمات الظاهرية [3] [4].


السمة السائدة

السمة السائدة هي السمة التي يتم التعبير عنها وتخفي تأثير السمة المتنحية عندما يحمل الفرد متغاير الزيجوت كلا الأليلين [3].


من أشهر الأمثلة على السمة السائدة سمة البذور الملساء المهيمنة (R) على سمة البذور المجعدة (r)، لذا إذا كان الفرد يحمل سمة سائدة واحدة للبذور الملساء، وسمة واحدة متنحية للبذور المجعدة (Rr) فيستم التعبير عن سمة البذور الملساء لأن هذه السمة هي السمة المهيمنة [3].


السمة المتنحية

يتم التعبير عن السمة المتنحية ظاهرياً فقط عندما يحمل الفرد نسختين من السمة المتنحية، وفي تجربة مندل كانت تظهر السمات الظاهرية للأليل المتنحي أي البذور المتجعدة فقط عندما كانت النباتات تحمل نسختين من هذا الأليل (rr) [3].


السيادة المشتركة

السيادة المشتركة هي ظاهرة وراثية يتم فيها التعبير عن كلا أليلي الجين بشكل كامل في النمط الظاهري عند وجود الأليلن معاً في فرد متغاير الزيجوت، وينتج عن ذلك التعبير المتزامن والمميز لكلا الأليلين دون أن يهيمن أحدهما على الآخر [5].


من الأمثلة على السيادة المشتركة لون الفراء لدى البقر، حيث في بعض السلالات يكون لون الفراء الغبر ناتج عن الهيمنة المشتركة بين أليلي لون الفراء المهيمنين الأحمر والأبيض.


عندما ترث البقرة نسخة واحدة من الأليل الأحمر، ونسخة واحدة من الأليل الأبيض فإن لون الفراء الذي سيظهر يكون مزيج من كلا اللونين، حيث تظهر الشعيرات الفردية على شكل بقع باللونين الأبيض والأحمر وتكون موزعة بالتساوي على الجسم لتنتج اللون المغبر للبقر، مما يوضح عدم سيطرة لون على الآخر في وراثة لون الفراء.


الصفات التي درسها مندل في نبات البازيلاء

شملت دراسة مندل الموسعة للصفات الموروثة في نبات البازيلاء العديد من الخصائص التي يمكن ملاحظتها، ومنها:

  • لون البذور: لاحظ مندل ألوان البذور التي كانت إما صفراء أو خضراء، فاكتشف أنه عند تهجين نبات البازيلاء الصفراء غير الهجين السائد متماثل الزيجوت مع نبات بازيلاء أخضر غير هجين متماثل الزيجوت سيظهر الجيل الأول (F1) بذور صفراء فقط، مما يشير إلى هيمنة اللون الأصفر على الأخضر [4].

  • شكل البذور: السمة الأخرى التي قام مندل بفحصها هي شكل البذور مجعدة أم ملساء، فقد أجرى تجارب تهجين متماثلة ووجد أن الجيل الأول أظهر باستمرار البذور الملساء، مما يعني أن هذه السمة هي السمة المهيمنة [5].

  • ارتفاع النبات: قام مندل بدراسة ارتفاع نبات البازلاء، حيث كانت النباتات الطويلة هي النباتات المهيمنة على النباتات القصيرة، فقد سجل مندل نسب النباتات الطويلة إلى القصيرة عبر الأجيال المتعاقبة، ووجد أنماط متسقة تتوافق مع النتائج المتوقعة لقوانين الوراثة تشير إلى أن سمة النباتات الطويلة هي المهيمنة [2].

  • لون الأزهار: تظهر نباتات البازلاء أزهار ذات لونين، وهما الأرجواني والأبيض، وقد قام مندل بتهجين نباتات غير هجينة ذات ألوان زهور مختلفة، ووجد أن الجيل الأول يظهر أزهار أرجوانية فقط، مما يدل على هيمنة لون الزهور الأرجواني على اللون الأبيض [3].

  • شكل القرون: درس مندل أيضًا شكل قرون البازلاء التي يمكن أن تكون منتفخة أو منكمشة، فوجد من خلال التهجين أن القرون المنتفخة هي الجين السائد على القرون المنكمشة [4].


السبب خلف اختيار مندل لنبات البازلاء

اختار مندل نبات البازلاء لتجاربه لعدة أسباب، ومنها [1] [5]:

  • التباين: تمتلك نباتات البازلاء مجموعة من الخصائص المتباينة المميزة التي يمكن التعرف عليها بسهولة مثل شكل البذور، ولونها، ولون الزهرة، فقد سمحت له هذه السمات المتباينة بتتبع أنماط الوراثة بدقة ووضوح.

  • القدرة على التحكم بالتكاثر: يمكن بسهولة تلقيح نبات البازلاء يدويًا، مما مكن مندل من التحكم في النباتات التي تتزاوج مع بعضها، وقد كان هذا التحكم حاسم لضمان المراقبة الدقيقة لوراثة السمات خلال التجارب.

  • دورة الحياة القصيرة للجيل الواحد: نباتات البازلاء لها دورة حياة قصيرة نسبيًا، فهي تنمو بسرعة وتنتج العديد من النسل خلال موسم نمو واحد، مما سمح لمندل بمراقبة عدة أجيال خلال فترة قصيرة نسبياً.

  • التكاثر الحقيقي: يمكن تربية نباتات البازلاء لتكون تكاثرًا حقيقيًا لسمات محددة، وهذا يعني أنه إذا قام نبات غير هجين بتلقيح نفسه ذاتيًا، فسينتج ذرية تحمل نفس الصفات جيلًا بعد جيل.

  • القدرة على قياس السمات: كانت السمات التي درسها مندل في نباتات البازلاء قابلة للقياس بسهولة لأنها اتبعت أنماط وراثة بسيطة ومنفصلة، مما جعل من السهل تسجيل وتحليل وراثة هذه السمات على مدى الأجيال المتعاقبة.


تأثير قوانين مندل في العصر الحديث

لقد أثر عمل مندل الرائع في علم الوراثة بشكل عميق في مختلف المجالات، ففي مجال الزراعة شكلت المندلية حجر الأساس لأساليب التربية الانتقائية، مما أتاح تطوير محاصيل ذات سمات مرغوبة مثل زيادة الإنتاج، أو مقاومة الأمراض، أو تحسين المحتوى الغذائي للمحاصيل، وقد أحدث هذا ثورة في الممارسات الزراعية وإدارة المحاصيل، مما أدى إلى تعزيز إنتاج الغذاء في جميع أنحاء العالم [4].


في علم الأحياء الجزيئي يوفر علم الوراثة المندلية الإطار التأسيسي لتقنيات رسم الخرائط الجينية، مما مكن العلماء من تحديد موقع الجينات على الكروموسومات وفهم وظائفها، وتعتبر هذه المعرفة محورية في الهندسة الوراثية، حيث تمكن العلماء من التلاعب بالجينات لإدخال خصائص مرغوبة إلى الكائنات الحية [3].


في عالم الوراثة الطبية تلعب أنماط الوراثة المندلية دور محوري في فهم الأساس الجيني للأمراض الموروثة، حيث تمثل الدليل الأساسي لكشف الأسس الجينية لمختلف الاضطرابات، علاوة على ذلك تشكل مبادئ مندل الأسس للاختبارات الجينية التي تمكن الأفراد من اتخاذ قرارات مستنيرة فيما يتعلق بعوامل الخطر المحتملة للحالات الوراثية [5].


إرث مندل في العلوم المعاصرة

إن إرث مندل الدائم في العلوم المعاصرة يتجاوز الميراث الجيني البسيط ويمتد للتعمق في عالم الوراثة الكمي، فلقد وضع عمله الأسس لفهم السمات المعقدة التي تتأثر بالعديد من الجينات والعوامل البيئية [2]، وتشمل هذه السمات المعقدة على مجموعة واسعة من الخصائص مثل السلوك والطول والاستجابة للمحفزات البيئية [5].


من خلال التوسع في مبادئ مندل كشف العلماء عن تعقيدات السمات متعددة الأوجه وأنماط وراثتها، فلقد ابتكروا نماذج إحصائية وأدوات حسابية متطورة مكنتهم من تحليل البيانات الجينية المعقدة، وسلطت الضوء على التفاعل بين المتغيرات الجينية والتأثيرات البيئية [2]، مما عزز التقدم فهم تطور الأنواع، وتنوعها الملحوظ، والتنبؤ بالتكيفات البيئية [4].


أوجه القصور في قوانين مندل

على الرغم من أن قوانين مندل أساسية، إلا أنها ليست شاملة في تفسير وراثة جميع السمات، ففي حين أنها توفر إطارًا لفهم السمات الوراثية البسيطة، إلا أنها غير كافية لتفسير السمات التي تتأثر بجينات متعددة أو عوامل بيئية [4].


لا تغطي قوانين مندل أيضًا المفاهيم الجينية الحديثة مثل التفوق الذي يوضح كيف يمنع أليل واحد في وضع معين أليل آخر من التعبير عن نفسه، وتعدد النمط الظاهري حيث يؤثر جين واحد على عدة سمات تبدو غير مرتبطة ببعضها البعض [5]، مما يؤكد على أن وراثة السمات تمتد إلى ما هو أبعد من نطاق مبادئ مندل.


بالإضافة إلى ما سبق فإن ظهور وراثة متعددة الجينات والتي تتضمن على مساهمة جينات متعددة في نمط ظاهري واحد يتحدى البساطة الكامنة في المندلية، حيث تتأثر السمات متعددة الجينات مثل طول الإنسان ولون بشرته بالعديد من المتغيرات الجينية التي يمارس كل منها تأثيرًا خفيفًا جنباً إلى جنب مع العوامل البيئية، مما يضيف طبقات من التعقيد لا تستطيع قوانين مندل وحدها تفسيرها بشكل كامل [2].


المراجع

[1] De Castro M. (2016). Johann Gregor Mendel: paragon of experimental science. Molecular genetics & genomic medicine, 4(1), 3–8. https://doi.org/10.1002/mgg3.199

[2] Mackay, T. F. C., & Anholt, R. R. H. (2022). Gregor Mendel's legacy in quantitative genetics. PLoS biology, 20(7), e3001692. https://doi.org/10.1371/journal.pbio.3001692

[3] Mattaini, K. (2020, July 27). Mendelian Genetics. Rwu.pressbooks.pub. https://rwu.pressbooks.pub/bio103/chapter/mendelian-genetics/

[4] Miko, I. (2008). Gregor Mendel and the Principles of Inheritance. Nature.com; Nature Education. https://www.nature.com/scitable/topicpage/gregor-mendel-and-the-principles-of-inheritance-593/

[5] Wolf, J. B., Ferguson-Smith, A. C., & Lorenz, A. (2022). Mendel's laws of heredity on his 200th birthday: What have we learned by considering exceptions?. Heredity, 129(1), 1–3. https://doi.org/10.1038/s41437-022-00552-y

bottom of page